قياس ضغط الدم بشكل متواصل طوال الأربع وعشرين ساعة ومقارنة ذلك بالجدوى الطبية لقياسه على فترات متباعدة خلال زيارة الطبيب في العيادة

 
 توصلت دراسة حديثة إلى أن قراءات قياس ضغط الدم التي يتم أخذها بواسطة جهاز محمول يقوم بإجراء قياسات متعددة لضغط الدم طوال 24 ساعة
 يمكن أن توفر معلومات أفضل بكثير حول حقيقة مقدار ضغط الدم في الجسم ومدى الإصابة بمرض ارتفاع ضغط الدم، كما تقدم بيانات تفيد في وضع التوقعات الصحية المستقبلية للمرضى الذين يتلقون المعالجة لارتفاع ضغط الدم لديهم، وذلك مقارنة مع الإجراء الروتيني في متابعة قراءات قياسات ضغط الدم التي يتم الحصول عليها بجهاز
قياس ضغط الدم  عند مراجعة الطبيب في العيادة



 
قياس متواصل
ووفق ما تم نشره ضمن عدد 19 أبريل (نيسان) الماضي من مجلة «نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسن» قام الباحثون من جامعة مدريد بدراسة الجدوى الطبية لإجراء قياس ضغط الدم بشكل متواصل طوال الأربع وعشرين ساعة ومقارنة ذلك بالجدوى الطبية لقياسه على فترات متباعدة خلال زيارة الطبيب في العيادة. وتركزت عناصر الجدوى الطبية في متابعة مرضى ارتفاع ضغط الدم على كل من الجوانب التالية: التأكد من وجود إصابة حقيقية بمرض ارتفاع ضغط الدم لدى المرء، ومتابعة تحقيق الانضباط في مستويات ضغط الدم لديه طوال ساعات النهار والليل، ونوعية التوقعات الصحية المستقبلية لمدى تضرر أعضاء جسمه نتيجة إصابته بمرض ارتفاع ضغط الدم المزمن، واحتمالات الوفاة تبعاً لذلك
وشمل الباحثون الإسبان في دراستهم الواسعة نحو 64 ألف شخص بالغ ممنْ تم لهم إجراء فحص مقدار ضغط الدم باستخدام وسيلة «المراقبة المحمولة لقياس ضغط الدم، وتمت مراجعة نتائج هذا القياس لضغط الدم، ثم تم لهم إجراء المتابعة الطبية لمدة 5 سنوات من أجل معرفة العلاقة بين نتائج وسيلة الفحص هذه وتطور الحالة الصحية لديهم
ووجد الباحثون في نتائج الدراسة أن استخدام وسيلة «المراقبة المحمولة لقياس ضغط الدم» كانت أفضل، وبشكل واضح، في التأكد من وجود إصابة حقيقية بمرض ارتفاع ضغط الدم لدى المرء، وأفضل في متابعة تحقيق الانضباط في مستويات ضغط الدم لديه طوال ساعات النهار والليل، وأيضاً أفضل في تكوين التوقعات المستقبلية لاحتمالات خطورة الوفيات خلال السنوات الخمس المقبلة فيما بين مجموعة مرضى ارتفاع ضغط الدم، وذلك مقارنة بما يُفيد به الاعتماد فقط على قراءات قياس ضغط الدم التي يتم إجراؤها في عيادة الطبيب
وعلق على هذه النتائج الدكتور خوسيه بانيجاس، الباحث الرئيسي من «جامعة مدريد المستقلة» في إسبانيا، بالقول: «الفرق مذهل، وهذه النتائج تقدم لنا أدلة لا لبس فيها لدعم استخدام وسيلة المراقبة المحمولة لقياس ضغط الدم». وأضاف: «لا يوجد مبرر علمي أو إكلينيكي لعدم استخدام هذه الوسيلة لمراقبة ضغط الدم لدى المرضى، والتي ينبغي أن تكون جزءا من التقييم والمتابعة لمعظم مرضى ارتفاع ضغط الدم»
 
ضغط الدم والرداء الأبيض
وتفيد مصادر طب القلب أن باستخدام وسيلة «المراقبة المحمولة لقياس ضغط الدم» يتم قياس ضغط الدم على فترات منتظمة خلال 24 ساعة، تقريباً مرة كل نصف ساعة. وهو ما يُعتقد طبياً أنه يُمكّن من تأكيد أو نفي الإصابة بمرض ارتفاع ضغط الدم في بعض الحالات التي قد يشتبه فيها ذلك عند الأطباء. وعلى سبيل المثال، فان استخدام وسيلة «المراقبة المحمولة لقياس ضغط الدم» يُقلل من تأثير ملاحظة الارتفاع في ضغط الدم الذي يحصل لدى المرضى عند زيارتهم للطبيب في العيادة نتيجة رؤيتهم الرداء الأبيض للطبيب أو الممرض، وهو ما يُعرف طبياً بـ«ارتفاع ضغط الدم المرتبط بالرداء الأبيض»  ويحصل هذا الارتفاع في ضغط الدم آنذاك بسبب التفاعل العصبي اللاإرادي والقلق الناجم عن الوجود في بيئة إكلينيكية في العيادة. واللافت للنظر في هذا الشأن أن ارتفاع ضغط الدم المرتبط بالرداء الأبيض لا يحصل فقط مع عموم الناس، بل يحصل أيضاً لدى الأطباء والممرضين حينما تتم متابعتهم في العيادة بصفتهم مرضى لارتفاع ضغط الدم على الرغم من وجودهم وعملهم اليومي في العيادات والمستشفيات.
وبوصفها أحد الحلول، تتم التوصية الطبية بضرورة إجراء قياسات ضغط الدم خارج العيادة لمعرفة حقيقة الأمر لدى هؤلاء المرضى، مثل القياسات المنزلية لضغط الدم، أو استخدام وسيلة «المراقبة المحمولة لقياس ضغط الدم» على مدار الأربع وعشرين ساعة
ولاحظ الباحثون في نتائجهم أن حالة «ارتفاع ضغط الدم المرتبط بالرداء الأبيض»  يجدر الاهتمام بها على نحو أفضل مما هو حاصل اليوم، ذلك أنهم أعلى عُرضة للوفاة مقارنة بذوي ضغط الدم الطبيعي. وهو ما دفع الباحثين إلى إعادة طرح النقاش الطبي حول مدى اعتبار أن لديهم حالة «حميدة» من ارتفاع ضغط الدم، وهو ما علق عليه الدكتور بانيجاس بالقول: «نتائج دراستنا لا تشير إلى ذلك». ووافقت الدكتورة إيلين هاندبيرغ، العضو في «المجلس الأميركي للوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية»، على هذا بقولها: «كثيراً ما يُجادل المرضى الذين لديهم قراءات عالية لقياس ضغط الدم في العيادة بأن قراءات قياس ضغط الدم في المنزل تكون ضمن المعدلات الطبيعية». وأضافت: «ارتفاع ضغط الدم المرتبط بالرداء الأبيض يعني أن مقدار ضغط الدم قابل للارتفاع عند التعرض لظروف تتسبب بالتوتر»
 
ضغط الدم أثناء النوم
كما أن استخدام وسيلة «المراقبة المحمولة لقياس ضغط الدم» على مدار الأربع وعشرين ساعة، أي في ساعات الاستيقاظ وفي ساعات النوم، يجعل الطبيب أكثر دراية ليس فقط بمجرد مقدار الارتفاع في ضغط الدم، بل أيضاً بأنماط التقلبات غير الطبيعية لمقدار قراءات قياس ضغط الدم طوال ساعات اليوم، مثل التفاوت الشديد في مقدار ضغط الدم فيما بين ساعات وساعات أخرى في اليوم، أو عدم حصول الانخفاض الطبيعي لضغط الدم أثناء النوم، وهي التقلبات ذات الصلة باحتمالات ارتفاع خطورة الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية أو خطورة الوفيات.
كما تفيد مصادر طب القلب بأنه من خلال «المراقبة المحمولة لقياس ضغط الدم» يُمكن مراقبة مقدار ضغط الدم في فترات متعددة خلال النوم، وهو ما يُفيد في تحديد ما إذا كان ثمة انخفاض طبيعي لضغط الدم أثناء النوم مقارنة بفترات الاستيقاظ أو عدم حصول ذلك التغير الطبيعي، أي عدم حدوث انخفاض في ضغط الدم أثناء النوم بنسبة تفوق بـ10 في المائة قياسات ضغط الدم في النهار
ومن المعلوم طبياً أن عدم حدوث ذلك الانخفاض الطبيعي أثناء النوم يُعد مؤشراً على تدني الحالة الصحية للمريض وارتفاع احتمالات الوفاة وارتفاع احتمالات حصول التلف في الأعضاء المستهدفة بالضرر من ارتفاع ضغط الدم كالقلب والكلى والعينين وغيرها
 
ارتفاع الضغط المقنّع
وضمن المقالة التحريرية للتعريف بالدراسة التي تم نشرها ضمن العدد نفسه للمجلة الطبية المذكورة، سلّط الدكتور رايموند تاونسيند الضوء على جانب آخر من نتائج الدراسة، بإفادته بأنه على عكس قراءات قياس ضغط الدم في العيادة، فإن وسيلة «المراقبة المحمولة لقياس ضغط الدم» ترصد بدقة التغيرات الحادة في ضغط الدم، وهذا يُمكّن على سبيل المثال من اكتشاف حالات «ارتفاع ضغط الدم المقنع» Masked Hypertension التي تتميز بأن قراءات قياس ضغط الدم للمريض فيها بعيادة الطبيب تكون طبيعية، ولكن قراءات قياسات ضغط الدم في الحياة اليومية تروي لنا قصة مختلفة تماماً، على حد وصف الدكتور تاونسيند
وأضاف أن أجهزة «المراقبة المحمولة لقياس ضغط الدم» موجودة منذ فترة طويلة في المستشفيات، ولكن لا يتم استخدامها بشكل منتظم في تقييم المرضى بالولايات المتحدة
ولاحظ الباحثون أيضاً في نتائجهم أن نسبة منْ كان لديهم «ارتفاع ضغط الدم المقنّع» هي 8 في المائة، وهي نسبة لافتة للنظر لمُصابين حقيقيين بمرض ارتفاع ضغط الدم، وفي الوقت نفسه لا يُمكن بسهولة تشخيص إصابتهم بهذا المرض عند الاعتماد فقط على قراءات قياس ضغط الدم في عيادة الطبيب
وهؤلاء المُصابون بـ«ارتفاع ضغط الدم المقنّع» والذين لم تتم معالجته لديهم، كانوا وفق نتائج المتابعة في الدراسة عُرضة بنسبة 3 أضعاف للوفاة مقارنة بذوي ضغط الدم الطبيعي
ولخص الباحثون نتائجهم بالقول: «كانت قياسات ضغط الدم بوسيلة (المراقبة المحمولة لقياس ضغط الدم) مؤشراً أقوى لتوقع الوفيات القلبية الوعائية بالمقارنة مع قياسات ضغط الدم في العيادة. ولم يكن (ارتفاع ضغط الدم المرتبط بالرداء الأبيض) أمرا حميدا، وارتبط ارتفاع ضغط الدم المقنّع بارتفاع خطورة الوفاة
وهو ما علقت عليه الدكتورة هاندبيرغ بالقول: «النتائج الجديدة قد تشجع على الاستخدام الواسع لوسيلة (المراقبة المحمولة لقياس ضغط الدم)»، وأضافت: «من الصعب المجادلة حول نتائج مثل هذه الدراسة الكبيرة